سلام عليكم و رحمة الله و بركاته
الحمد لله رب العالمين ... والصلاة والسلام على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وعلى آله ورضي الله عن صحابته أجمعين و بعد:
عرض كتاب لغة القرآن الكريم ( دراسة لسانية للمشتقات في الربع الأول) للدكتور بلقاسم بلعرج.
نشر: دار العلوم للنشر و التوزيع – الجزائر
في هذا العرض أحببت التعريف بأحد الكتب القيمة في مجال الدراسات اللغوية لأحد الأساتذة الجزائريين ( الدكتور بلقاسم بلعرج أستاذ اللغويات بجامعة عنابة و قالمة ( مدينتين متجاورتين بالشرق الجزائري ) فأقول :
إن القرآن الكريم هو النص المعجز ، عجز عن الإتيان بمثله أساطين الفصاحة و البلاغة و البيان ، و انبهروا ببنائه المنفرد، في حروفه و في مقاطعه و ألفاظه ، و في آياته و سوره ، تأملوه في كل ذلك ، فلم يجدوا كلمة نابية عن مكانها ، بل وجدوا اتساقا بهر العقول ، و نظاما و التئاما و إحكاما عجز عنه الناس ، و قد غدا مصدرا لكثير من الدراسات اللغوية و الإسلامية ، فهو مصدر التشريع بالدرجة الأولى ، و أول مصادر اللغة العربية بالدرجة الثانية ، يمثلها في أدق مستوياتها و أعلاها ، و بذلك صار الورد المورود للباحثين يجدون في اكتناه أسراره و بيان إعجازه ، فقد تحدث القدماء و المحدثون من نحاة و لغويين و مفسرين و نقاد و بلاغيين عن بلاغته و إعجازه و تحديه
".... غير أن كل دراسة لموضوع من موضوعاته ستبقى قاصرة عن الوصول إلى سمو الكتاب و عظمته ، إذ تبين لنا من خلال القراءة و المطالعة أن جل الذين عرضوا لدراسة النص القرآني ، غالبا ما يركزون على ما فيه من قضايا فكرية و دينية معززة ببعض التفسيرات اللغوية العابرة ، أما الجوانب اللغوية من صوت و صرف و تركيب و دلالة فيمرون عليها مرورا عابرا ، أو يتناولونها بكيفية لا تشفي غليلا ، و منه نرجو أن نكون بهذه الدراسة ، قد القينا بعض الضوء على جانب لغوي يعد أساسا في كل دراسة لغوية مهما كان منهجها و هدفها.
إننا كلما قرأنا القرآن الكريم لفت نظرنا بعض الخصائص الصرفية – إلى جانب الخصائص الصوتية و التركيبية، كإحلال بعض الصيغ محل بعض ....و منه كذلك التعبير أحيانا بالمشتق بدل الجامد ، كالنازعات و الناشطات ، و السابحات و السابقات و المدبرات و نحو ذلك ، و بالجامد بدل المشتق نحو وضع أسماء المعاني موضع المشتقات ، فيوصف بالمصدر كما يوصف بالمشتق قصد المبالغة و الاتساع في المعنى ، و نظير هذا كثير أيضا...
كل هذا و غيره من الدوافع المشجعة على دراسة المشتقات في إطار النص القرآني لنرى من خلاله تنوع دلالاتها و إسهامها في تغيير المعنى و تنويعه ، و إثراء اللغة ، بالإضافة إلى معرفة سر تبادل الصيغ في القرآن الكريم أو العدول من صيغة إلى أخرى .
و قد أدركنا مسبقا مدى صعوبة الدراسة ووعورة مسالكها ، فهي تتطلب صبرا و جلدا ، و عدة و عتادا في المجال العلمي و اللغوي و الثقافي ، و إحاطة بمجهودات القدماء و المحدثين نحاة و لغويين و مفسرين و بلاغيين حتى تأتي الدراسة مكتملة الجوانب مستفيدة من القديم و الحديث.
و قد أخذنا من المشتقات المشهورة – باستثناء المصدر و الفعل فهما مدروسان – عنوانا و مادة مركزين عليها دون غيرها من الصيغ الأخرى ، و مستفيدين من الدراسات التي تناولتها بطريقة مباشرة أو غير مباشرة ، و جعلنا الفعل أصلا لها – تغليبا – لكون معظم هذه المشتقات صفات ، و الصفة أقرب إلى الفعل منها إلى الاسم ، و سلكنا في هذه الدراسة منهج الوصف و التحليل و التعليل ، بالإضافة إلى الإحصاء و المقارنة.
و كانت طرافة الموضوع و شغفنا به سببا في تذليل كثير من الصعوبات و العوائق، و اقتضت الدراسة أن تكون في مقدمة و خمسة فصول و خاتمة".
ذكر في المقدمة أهمية الموضوع و سبب اختياره له ، و الصعوبات التي واجهته ، و المنهج الذي سلكه في الدراسة ، و خصص التمهيد للتأسيس النظري فعرض فيه لأهمية الدراسات اللغوية للقرآن الكريم ، و الاشتقاق و أقسامه عند القدماء و المحدثين و أهميته في إثراء اللغة ، و آراء العلماء في أصل المشتقات مع ترجيح ما رآه صائبا ، و سرد أمثلة عن الذين كتبوا في الاشتقاق قديما و حديثا و ابرز دور الصيغة في اللغة العربية.
فمما جاء في التمهيد " إن دراسة الصيغ في العربية تخضع في اغلب الأحيان للسماع الذي يجعل القواعد شبه معدومة ، و هو ما تفسره كثرة الشذوذ و كثرة التعقيد أحيانا ، و على الرغم من ذلك فإننا إذا تتبعنا تاريخ العربية ، و جدنا القدماء قد طبقوا في دراساتهم اللغوية وساءل تقليدية و قواعد ضبطية لا تزال مقبولة إلى اليوم ، فلم يهملوا اهتمامهم بلغات العامة - و إن كان ذلك قليل - إلى جانب اهتمامهم بالفصحى لغة القرآن الكريم و الحديث النبوي ، و الشعر الفصيح .... و بوضع الخليل بن احمد أول معجم للعربية يكون قد فتح الباب لمعاصريه ، و بخاصة سيبويه ، و لمن جاء بعده ، و لا سيما أصحاب المعاجم ، فقد استقرى هذا الرجل العربية استقراءا وافيا و أحصاها إحصاءا تاما لم يستطع احد ممن سبقوه أو عاصروه أن يهتدي إلى ذلك .....و لم تكن علوم اللغة العربية منفصلة في أول أمرها و بعد أن نشطت حركة التأليف و الترجمة و ازدهرت الحياة الثقافية بدأت الدراسات تتجه نحو التخصص و أخذت العلوم العربية ينفصل بعضها عن بعض فكانت الدراسات الصوتية و الدراسات الصرفية و الدراسات النحوية